نجح رئيس مجلس النواب نبيه بري، في جمع الصف الفلسطيني في لبنان على مضض هذه المرة. ثمة فرقا شاسعا في هوة الخلافات بين حركتي "فتح" و"حماس" في الداخل في ظل التطورات السياسية والامنيّة المتسارعة، ومع مراوحة المصالحة الوطنية في مكانها، والحديث عن تسوية بشأن غزة دون ان تنال موافقة السلطة الفلسطينية.
نجاح بري جاء ترجمة لمبادرة قام بها وأسفرت عن توقيع القوى الفلسطينية على وثيقة "هيئة العمل المشترك في لبنان"، تنص على اعتبار الساحة الفلسطينية في لبنان استثنائية وتستدعي تناسي الخلافات بعيدا عن الانقسام الفلسطيني، وهي نتيجة استشعاره بالخطر المحدق بالقضية الفلسطينيّة بعد سلسلة من القرارات والخطوات الاميركية الهادفة الى اسقاط الثابتين من الفلسطينيين في القدس (عبر الاعتراف بها كعاصمة لـ"اسرائيل" ونقل السفارة الاميركية اليها) وشطب حق العودة (عبر انهاء عمل وكالة "الاونروا" من خلال وقف المساعدات المالية بالكامل، على اعتبارها الشاهد الحي على نكبة فلسطين وخفض عدد اللاجئين من خمسة ملايين الى خمسمئة الف بإسقاط اللجوء بالوارثة)، وهو ما يستدعي وفق قناعة بري ردم هوة الخلافات. واذا كان متعذرا في الداخل بسبب التعقيدات السياسيّة والامنيّة رغم قيام مصر بدور الوساطة والرعاية، فان الهدف استثناء الساحة الفلسطينيّة في لبنان من أيّ انعكاسات سلبيّة له، على اعتبار ان الوحدة هي المدماك الاول لمواجهة هذه المحاولات والتصدّي لها، وصولا الى اقفال كل الابواب امام رياح التوتير في المخيمات لحفظ أمنها واستقرارها مع الجوار اللبناني، ومنع تحويلها الى ممر او منطلق لاستهداف مسيرة السلم الاهلي، ناهيك عن ابقاء العنصر الفلسطيني حياديا وعدم التدخل في الشؤون اللبنانية.
مبادرة بري
وتؤكد مصادر فلسطينية لـ"النشرة"، ان بري بذل جهودا كثيفة لانجاح هذه المبادرة منذ البدء بها حتى إعلانها، من خلال اتصالات مباشرة أجراها شخصيًّا، ثم تكليف رئيس المكتب السياسي لحركة "أمل" جميل الحايك ومسؤول الملف الفلسطيني في لبنان محمد جباوي وعضو المكتب السياسي بسام كجك، بمتابعة التفاصيل، حيث عقدوا اجتماعا منفردا مع قيادة حركة "فتح"، تلاه مع حركة "حماس" ثم توسع الى فصائل "منظمة التحرير الفلسطينية" فـ"تحالف القوى الفلسطيني"، وصولا الى عقد اول اجتماع مشترك في مقر المكتب السياسي لمختلف الاطر الفلسطينية وهي "المنظمة" و"التحالف" و"القوى الاسلامية" و"انصار الله" قبل يوم واحد من مهرجان الوفاء للامام السيد موسى الصدر، حيث حرص بري على زفّ بشرى عن عودة العمل الى الاطر المشركة الفلسطينيّة تحت عنوان التوقيع على "وثيقة هيئة العمل الفلسطيني المشترك في لبنان"، وهو ما عاد ورعاه شخصيا في "عين التينة" بمشاركة سفير دولة فلسطين في لبنان أشرف دبور، وممثلين عن مختلف القوى الفلسطينية.
تفاصيل الوثيقة
وقد حصلت "النشرة" على تفاصيل "الوثيقة" التي وقع عليها ممثلو "القوى الفلسطينية" في لبنان وتبدأ بمقدمة تؤكد على أهمية الوحدة في مواجهة الاطماع الصهيونية الهادفة الى تصفية القضية الفلسطينية، قبل ان تنتقل الى بنودها وأبرزها" ان الأطر الفلسطينية الاربعة: فصائل "منظمة التحرير الفلسطينية"، "تحالف القوى الفلسطينية"، "القوى الاسلامية"، و"انصار الله"، هي اساس العمل المشترك في لبنان، يتولى أمين سر "المنظمة" أمانة سر "الهيئة" ويكون أمين سر "التحالف" نائبا له، ينبثق عن "الهيئة" لجنة صياغة من أعضائها لتحرير المحاضر والبيانات، يحضر إجتماعات "الهيئة" المسؤول الاول لكل فصيل فلسطيني حصرا، تجتمع "الهيئة" دوريا مرة كل شهر ويحق لامين سر الهيئة الدعوة الى اجتماع طارىء عند الضرورة، تؤخذ القرارات داخل الهيئة بالاكثرية، ينبثق عن الهيئة لجنة مصغرة لمتابعة العمل اليومي، عدم تفرد أي فصيل بالقيام بأعمال تقع ضمن مجالات العمل الفلسطيني المشترك، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية اللبنانية.
استنفار لبنان
على خط مواز للوحدة الفلسطينية، استنفر لبنان دبلوماسيا وسياسيا للتصدي لمخاطر القرار الاميركي وقف تمويل "الاونروا" بالكامل، حيث جاء اجتماع وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل مع سفراء الدول المانحة العربية والغربية بحضور السفير دبور، اشارة لبدء هذا الحراك لتجنب الشرب من "الكأس المر"-التوطين، عبر فرضه تدريجيا من خلال تحميل الدول المضيفة مسؤولية رعاية اللاجئين وتقديم الخدمات الاساسية لهم.
وتؤكد مصادر فلسطينية بارزة لـ"النشرة"، ان ثمة مخاوف حقيقية وجدية من انفجار اجتماعي خدماتي يطال المخيمات الفلسطينية في لبنان قريبا، في حال استمرّ العجز المالي لوكالة "الاونروا" وإزداد بإضطراد، وتاليا الإضطرار الى تقليص الخدمات كافة الصحية والتربوية والاجتماعية، واذا كانت ادارة "الاونروا" قد نجحت موقتا في تجاوز مخاطرها في العام الجاري 2018، مع العجز المالي المقدّر بنحو 236 مليون دولار اميركي، فان التحدّي الاكبر الذي يطرح نفسه سيكون مع بداية العام الجديد 2019. فهل تبادر الدول المانحة الى سد الفراغ الاميركي أم تترك وكالة "الاونروا" تواجه مصيرها "المجهول–المحتوم"، الاقفال تدريجيا؟!.
خلاصة القول، ان هذا التحدي، يؤرق جميع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الذين ملّوا في مرحلة "الانتظار القاتل"، وهم يرون بأم أعينهم نكبة جديدة تطرق أبواب منازلهم ومصيرهم.